• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عن زمن الحسرة

فهمي هويدي

عن زمن الحسرة

صحيح أننا فى زمن «الحسرة»؟

ــ السؤال لي والتشخيص لغيري والخلفية تستحق أن تروى.

ذلك أننا كنا مجموعة من الباحثين والأكاديميين قدموا من سبعة أقطار عربية استجابة لدعوة مركز دراسات الوحدة العربية لمؤتمر فى تونس.

وما أن التأم جمعنا ذات مساء حتى انفتح الباب واسعاً لمناقشة أوضاع العالم العربي وأخباره المثيرة التي باتت مخضبة بالدماء.

فقال واحد إننا كنا نحلم قبل ثلاثة أو أربعة عقود بتحرير الأمة بعد تحرير الأوطان من المستعمرين والغزاة، إلّا أنه لم يخطر على بال أحد أننا سوف نستدعي المستعمرين السابقين لنحتمي بهم.

ثم وجدنا أنظمة «وطنية» تحارب شعوبها، بل أصبحنا نقرأ في الصحف أن ثمة معارك لتحرير أحياء المدن وبعض القرى والنواحي.

وكما حدث في اللوثة اللبنانية التي احتدم الصراع فيها بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية، فإننا وجدنا النموذج مكرراً في حلب والموصل وتعز وبغداد ذاتها.

وهو ما نقل الحوار إلى مستوى آخر، حين قال أحد الجالسين إن الحالة الفلسطينية لا مثيل لها ذلك أنه بعد كارثة القطيعة بين الضفة الغربية والقطاع، فإن نشطاء الضفة أصبحوا يلاحقوق من جانب أجهزة السلطة الفلسطينية ومن الإسرائيليين في الوقت نفسه، حتى أصبحت القيادة «الوطنية» تتباهى بقمع وإجهاض المقاومة التي تستهدف العدو الإسرائيلي.

قال آخر إن القمع صار عنواناً عريضاً لما جرى في العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، حتى أن البعض في الجزائر صاروا يتحسرون على زمن الاحتلال الفرنسي.

فعقب ثالث قائلاً إن هؤلاء لهم أقران كثر فى ليبيا، إذ رغم بؤس الأوضاع التي فرضها معمر القذافى، فإن الناس حين عانوا مما هو أشد بؤساً بعد الثورة، فإنهم أصبحوا يتحسرون على أيامه، حينئذ انبرى رابع قائلاً إن الحاصل في العراق لا مثيل له. لأن حنين كثيرين إلى زمن صدام حسين مشهود في قطاعات عريضة، خصوصاً بين أهل السنة الذين عانوا من ظلمه لكنهم صاروا يتامى في غيابه. بعدما تكررت الملاحظات عن الأوضاع في اليمن والسودان، وعن حنين البعض فى مصر إلى عصر مبارك سألني أحد الجالسين:

هل حدث فى التاريخ المصري أن صدر حكم بحبس نقيب الصحفيين أو تم اقتحام الشرطة للنقابة، وحين أجبت بالنفي انبرى الأكاديمي الجزائري المخضرم قائلاً إننا فيما يبدو نعيش زمن الحسرة على ما فات، لأن ظاهرة الحنين إلى الماضي على سوئه باتت ظاهرة يتعذر تجاهلها في أغلب الأقطار العربية، وربما كانت تونس استثناء في المشهد العربي.

كان لدي تحفظ أساسي على هذه المقولة، يتلخص في أن ذلك حكم متعجل لأنه لم تمض على هبوب رياح التغيير في العالم العربي سوى خمس سنوات فقط، وتلك فترة قصيرة للغاية في أعمار الشعوب خصوصاً حين يتعلق الأمر بمراحل التحول التاريخي.

فضلاً عن أن تلك السوءات التي يشار إليها ظهرت في الأقطار التي تعثر فيها الربيع العربي، ونجحت قوى الثورة المضادة في صد موجاته.

وهو ما فجّر صراعات شرسة لاتزال مستمرة في تلك الأقطار، ولابد أن نلاحظ في هذا الصدد أن استنفار قوى الثورة المضادة لم يكن على المستوى القطري فقط، لأن احتشادها كان على مستوى الإقليم، حيث عبأت أطراف عدة كل ما تملك من عناصر القوة والبطش لكي تجهض عملية التغيير، ليس دفاعاً عن الأنظمة الاستبدادية «الشقيقة» فحسب وإنما دفاعاً عن نفسها أيضاً.

لم اختلف حول وجود الحسرة المذكورة بدرجات متفاوتة، ولكنني اعتبرت أنها تعبير عن اختيارين ما هو تعيس وما هو أتعس، في حين أن حلمنا كان ولايزال يتطلع إلى الأفضل وليس إلى أي من الخيارين البائسين.

ارسال التعليق

Top